خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أهله ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أهله ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 30 صفر 1445هـ ، الموافق 15 سبتمبر 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 15 سبتمبر 2023م بصيغة word بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أهله، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 15 سبتمبر 2023م بصيغة pdf بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أهله ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 15 سبتمبر 2023م بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أهله .
أولًا: النبيُّ ﷺ خيرُ الناسِ لأهلِ بيتِهِ.
ثانيــــًا: أينَ نحنُ مِن أخلاقِ نبيِّنَا ﷺ مع أهلِهِ؟
ثالثــــًا وأخيرًا: إياكَ أنْ تفسدَ امرأةً على زوجِهَا ؟
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 15 سبتمبر 2023م بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أهله : كما يلي:
خطبة الجمعة القادمة : حالُ النبيِّ ﷺ مع أهلِهِ. للدكتور محمد حرز
30 صفر بتاريخ 1445هـ، الموافق، 15 سبتمبر2023م
الْحَمْدُ للهِ الذِي جَعلَ لنَا مِنَ الأنبيَاءِ والصَّالحِينَ قُدوَةً وَمَثَلًا، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وأشهدُ أنّ سيّدَنَا وحبيبَنَا وعظيمَنَا وقائدَنَا وقُرَّةَ أعيُنِنَا مُحمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقِهِ وخليلُهُ القائلُ كما في حديثِ عائشةَ رضي اللهُ عنها قالت قال النَّبِيُّ ﷺ ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي » رواه ابن ماجة فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران :102) عبادَ الله)) : حالُ النبيِّ ﷺ مع أهلِهِ )) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.
عناصر اللقاء:
أولًا: النبيُّ ﷺ خيرُ الناسِ لأهلِ بيتِهِ.
ثانيــــًا: أينَ نحنُ مِن أخلاقِ نبيِّنَا ﷺ مع أهلِهِ؟
ثالثــــًا وأخيرًا: إياكَ أنْ تفسدَ امرأةً على زوجِهَا ؟
أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ أنْ يكونَ حديثُنَا عن حالِ النبيِّ المختارِ ﷺ مع أهلِهِ، وخاصةً وما زلنَا في الحديثِ عن سيدِ الخلقِ وحبيبِ الحقِّ ﷺ، والحديثُ عنه شيقٌ وجميلٌ لا حدَّ لمنتهاه، وخاصةً وما أروعهَا مِن لحظاتٍ سنعيشُهَا الآن في بيتِ النبوةِ!! لنتعرفَ على أخلاقِ النبيِّ ﷺ مع نسائِهِ أمهاتِ المؤمنين وأهلِ بيتِهِ الشريفِ، وخاصةً وفي البيتِ تظهرُ أخلاقُ الرجالِ، فيمكنُ لأيِّ إنسانٍ أنْ يتصنعَ ويتجملَ بالأخلاقِ، والتعاملِ الطيبِ خارجَ البيتِ، فيتظاهر أمامَ الناسِ بأنَّه إنسانٌ ملتزمٌ، وصاحبُ كلمةٍ طيبةٍ، وتعاملُهُ طيبٌ مع الناسِ، لكنَّهُ في بيتهِ مختلفٌ تمامًا، فمِن الرجالِ إلّا ما رحمَ اللهُ يتعاملُ مع أهلِهِ بالقسوةِ والغلظةِ والفظاظةِ ويتعاملُ مع النساءِ الأجانبِ بالرأفةِ والرحمةِ والمودةِ واللينِ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، تراهُ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعِي حنونًا رحيمًا جميلًا طيبَ الخلقِ مع النساءِ وكأنَّهُ قرآنٌ يمشِي على الأرضِ على مواقعِ التواصلِ وفي بيتِهِ ومع زوجتِهِ وأولادِهِ كئيبًا حزينًا سيئَ الاخلاقِ وكأنَّهُ شيطانٌ رجيمٌ، ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، وخاصةً والميزانُ الحقيقيُّ لأخلاقِ المسلمِ هو في بيتِه، فإذا أردتَ أنْ تعرفَ حقيقةَ إنسانٍ، فاسألْ عن أخلاقِهِ في بيتِهِ…. مع زوجتِهِ وأولادِهِ سترَى عَجبًا عُجابًا ..فما أحوجنَا أيُّها الأخيارُ أنْ نتعرفَ عن حالِ نبيِّنَا المختارِ ﷺ مع أهلِ بيتِهِ وزوجاتهِ أمهاتِ المؤمنين فهو خيرُ الناسِ لأهلِه وعشيرتِه وقرابتِه، بل هو خيرُ الناسِ للناسِ أجمعين… لنسيرَ على دربِه …لنسعدَ في الدنيا والآخرةِ .
و واللهِ لو طبَّقنَا منهجَ النبيِّ ﷺ في تعاملِه مع أهلِ بيتِه، لَمَا رأينَا المشاكلَ في بيوتِنَا، والخلافاتِ بينَ الزوجِ وزوجتِه، لكنّنَا ابتعدنَا عن أخلاقِ نبيِّنَا ﷺ ، فانتشرتْ المشاكلُ في البيوتِ، وكثرتْ حالاتُ الطلاقِ بينَ الأزواجِ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ.
هـذا الـحبيـبُ الذي في مدحِهِ شرفٌ *** وذكُرُهُ طيبٌ في مسمعِـي وفـمِـي هذا أبو القـاسـمِ المـخـتـارُ مِن مُضَر ** هــذا أجـــلُّ عـبـــادِ اللـهِ كـلِّــهِـــمِ هذا هو المصطفَى أزكَى الورَى خلقًا ** سبحانَ مَن خصَّهُ بالفضلِ والكرمِ
هذا الذي لا يصحُّ الفرضُ مِن أحـــدٍ**ولا الآذانُ بـلا ذكـرِ اسـمِـهِ الـعَـلَـمِ
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أهله
أولًا: النبي ﷺ خير الناس لأهل بيته.
أيُّها السادةُ : لقد كان بيتُ رسولِ اللهِ ﷺ ليلًا ونهارًا بيتَ صلاحٍ وعبادةٍ، وبيتَ زهدٍ وتواضعٍ، وبيتَ كرمٍ وضيافةٍ، وبيتَ تربيةٍ وتعليمٍ وحسنِ معاملةٍ، لذا جمعَ هذا البيتُ الطاهرُ كلَّ خيرٍ، وأبعدَ عنه كلَّ شرٍّ، فكان هو المثالُ الكاملُ الصالحُ للاقتداءِ بهِ في جانبِي الدينِ والدنيا.
فالناظرُ أيُّها الأخيارُ في سيرةِ النبيِّ ﷺ يجدُ أنَّهُ كان يحسنُ معاملةَ أهلِهِ، ويُولِيهم عنايةً فائقةً ومحبَّةً لائقةً، فكان مع زوجاتِه حنونًا ودودًا، تجلّتْ فيه العواطفُ في أرقَى معانيهَا، والمشاعرُ في أسمَى مظاهرِهَا، فكان يُكرمُ ولا يهينُ، يُوجِّه وينصحُ، ولا يعنِّف ويَجْرَح، فعن أنسٍ رضي اللهُ عنه قال: ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ ﷺ شيئًا قَطُّ بيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبيلِ اللهِ)) رواه مسلم.( بل وجعلَ ﷺ حسنَ معاملةِ وعشرةِ الزوجةِ معيارًا مِن معايير خيريةِ الرجالِ، فعن عائشةَ ـ رضي اللهُ عنها ـ قالت: قال رسولُ اللهِ ﷺ ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي » رواه ابن ماجة وكان النبيُّ ﷺ لطيفَ المعشرِ مع أهلِ بيتِه، فكان يكنِّي نساءَهُ بأحبِّ الأسماءِ إليهن، فأمُّ المؤمنين عائشةُ رضي اللهُ عنها كان يتطلفُ لها، وينادِيها بأحبِّ الأسماءِ إليها، فيقولُ لها: يا عائش، وربَّما قال لها: يا حميراء، فكانت تفرحُ بهذه الألقاب، وبهذا التدليلِ، وهذا مِن هديهِ ﷺ ، وكان ﷺ وفيّ مع زوجتِه حتى بعدَ وفاتِهنَّ فلقد كان وفيًّا مع رمزِ الوفاءِ، وسكنِ الأنبياءِ ,الطاهرةِ في الجاهليةِ والإسلامِ ,خديجةَ بنتِ خويلد عليها من ربِّهَا الرضوانُ والرحماتُ، فلقد كانت عائشةُ رضي الله عنها تغارُ منها وهي ميتةٌ فقالت يومًا كما في حديث عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ قالت : كان النبيِّ ﷺ إذا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عليها فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ قالت : فَغِرْتُ يَوْمًا فقلت : ما أَكْثَرَ ما تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ قد أَبْدَلَكَ الله عز وجل بها خَيْرًا منها قال : ” ما أبدلنِي اللهُ عزّ وجلَّ خَيْرًا منها قد آمَنَتْ بي إِذْ كَفَرَ بي الناسُ وصدقتنِي إِذْ كذبنِي الناسُ وواستنِي بمالِهَا إذا حرمنِي الناسُ ورزقني اللهُ عزّ وجلَّ وَلَدَهَا إِذْ حرمنِي أَوْلاَدَ النِّسَاءِ ” رواه أحمد، و كان ﷺ يكرمُ أصحابَ خديجةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ فعَنْ عَائِشَةَـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فَيَقُولُ: «أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ» قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ ﷺ إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا»(متفق عليه(وعن عائشةَ رضى اللهُ عنها جاءتْ عجوزٌ إلى النبيِّ ﷺ وهو عندي فقال لها رسولُ اللهِ ﷺ : من أنتِ ؟ قالت : أنا جثَّامةُ المُزنيَّةُ فقال : بل أنتِ حسَّانةُ المُزنيَّةُ كيف أنتُم ؟ كيف حالكم ؟ كيف كنتُم بعدنا ؟ قالت بخيرٍ بأبي أنت وأمِّي يا رسولَ اللهِ فلما خرجتُ قلتُ : يا رسولَ اللهِ تُقبِلْ على هذه العجوزِ هذا الإقبالَ فقال : إنها كانت تأتينا زمنَ خديجةَ)) ومِن هديهِ ﷺ في حسنِ معاملتهِ لأهلهِ (زوجته) النَّظَرُ إلى الجوانبِ الحَسَنَةِ فيها وهي كثيرةٌ، والتغاضِي عن عيوبِهَا، فلا تخلو الزوجةُ مِن جوانبَ طيبةٍ متعدِّدةٍ، سواءٌ ما يتعلَّقُ بالجانبِ الظاهرِي الشكلِي أمِ الدينِي والأخلاقِي، ولذا قال ﷺ: (لا يَفْرك )يبغض(مؤمنٌ مؤمنةً، إن كَرِه منها خُلُقًا رضيَ منها آخر) رواه مسلم.( ومِن حسنِ معاملتِه ﷺ لأهلِه مَدْحُهُنَّ، والثناءُ عليهنَّ، وبيانُ فضلهنَّ، وما لهنَّ مِن مزايا، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ: إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بنْتُ عِمْرَانَ، وإنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ علَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ علَى سَائِرِ الطَّعَامِ.(رواه البخاري). ومِن لطيفِ معاملتِه ﷺ لزوجتِه أنَّه كان يشربُ مِن موضعِ شربِهَا، فعن عائشةَ رضي اللهُ عنها قالت: كنتُ أشربُ وأنا حائضٌ، ثم أُنَاوِلُه النبيَّ ﷺ فيَضَعُ فاه على موضِعِ فيَّ فيشرب، وأَتَعَرَّقُ العَرَقَ(، تأكلُ مِن العظمِ الذي عليه لحمٌ)وأنا حائضٌ، ثم أُنَاوِلُه النبيَّ ﷺ فيَضَعُ فاهُ على مَوضِعِ فيَّ) رواه مسلم)، ولقد كان نبيُّنَا ﷺ مع أهلهِ الزوجَ الحبيبَ، والموجِّهَ الناصِحَ، والجليسَ المؤانِسَ، يمازحُهُنَّ ويداعبُهُنَّ، ويواسيهُنَّ ويمسحُ دموعَهُنَّ بيدِه، ولا يؤذيهنَّ بلسانِه أو بيدِه، يتحمَّلُ منهنَّ كما يتحملُ أحدُنَا مِن أهلِه، وما ضربَ بيدِه امرأةً قط، وكان يوصِي أصحابَهُ بزوجاتِهِم خيرًا، وكيف لا ؟ وهو القائلُ ﷺ في حجةِ الوداعِ استَوْصُوا بالنِّساءِ خيرًا فإنَّهنَّ عَوانٌ في أيديكُم أخذتمُوهنَّ بأمانةِ اللهِ واستحللْتُم فروجَهنَّ بكلمةِ اللهِ))رواه الترمذي، وكيف لا وهو القائلُ ((حُبِّب إلي من دنياكم: الطِّيب، والنساء))أي حبُّ إكرامِ النساءِ؛ لأنَّ المرأةَ ضعيفةٌ، فينبغي إكرامُ هؤلاء، والمعاشرةُ معهنَّ بالمعروفِ كما قال ربُّنَا في محكمِ التنزيلِ ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ النساء: 19وتعالوا معًا ننظرُ إلى خصوصيَّةِ العَلاقةِ الرائعةِ بين الأبِ وابنتِه في موقفِ الرسولِ الذي ترويهِ عائشةُ -رضي اللهُ عنها- كما في صحيح مسلم : (فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ امْرَأَةً فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِى كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ « مَرْحَبًا بِابْنَتِي ». فَأَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ فَاطِمَةُ ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ أَيْضًا فَقُلْتُ لَهَا مَا يُبْكِيكِ فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لأُفْشِىَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . فَقُلْتُ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ. فَقُلْتُ لَهَا حِينَ بَكَتْ أَخَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِحَدِيثِهِ دُونَنَا ثُمَّ تَبْكِينَ وَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لأُفْشِىَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى إِذَا قُبِضَ سَأَلْتُهَا فَقَالَتْ إِنَّهُ كَانَ حَدَّثَنِي « أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ وَلاَ أُرَانِي إِلاَّ قَدْ حَضَرَ أَجَلِى وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لُحُوقًا بِي وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ ». فَبَكَيْتُ لِذَلِكِ ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّنِي فَقَالَ « أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ ». فَضَحِكْتُ لِذَلِكِ ) . هكذا كانت تربيةُ الرسولِ لابنتِه، تربيةً قائمةً على الحبِّ والعطفِ والحنانِ وكيف لا وهو القائلُ ﷺ كما في صحيح البخاري (فاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فمَن أغْضَبَها أغْضَبَنِي.)، أمَّا عندَ وفاةِ إبراهيمَ ابنِ رسولِ اللهِ ﷺ، فقد تجلَّت عظمتُه ، وظهرت مشاعرُ الأبِ الجياشةُ تجاهَ ولدهِ ففي سننِ ابنِ ماجةَ ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ « تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ وَلاَ نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ لَوْلاَ أَنَّهُ وَعْدٌ صَادِقٌ وَمَوْعُودٌ جَامِعٌ وَأَنَّ الآخِرَ تَابِعٌ لِلأَوَّلِ لَوَجَدْنَا عَلَيْكَ يَا إِبْرَاهِيمُ أَفْضَلَ مِمَّا وَجَدْنَا وَإِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ (( ، وكان ﷺ من شدَّة حُبِّهِ ولهفتهِ على أحفادهِ يقطعُ احيانًا خطبتَهُ مِن أجلِ أنْ يضمَّهُم إلى صدرِه الحنون ، ويشملَهُم بعطفهِ وحبهِ وشفقتهِ وحنانهِ، قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَخْطُبُ فَأَقْبَلَ حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ فَنَزَلَ النَّبِيُّ ﷺ فَأَخَذَهُمَا فَوَضَعَهُمَا فِي حِجْرِهِ ،فَقَالَ « صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ) وكيف لا ؟ وهو القائلُ ﷺ (حُسينُ منِّي ، و أنا منه ، أحبَّ اللهُ مَن أحبَّ حُسينًا ، الحسَنُ و الحسينُ مِن الأسباطِ) وكيف لا؟ وهو القائلُ ﷺ (الحسنُ و الحُسَينُ سيِّدا شبابِ أهلِ الجنَّةِ ؛ إلا ابنَي الخالةِ عيسى ابنَ مريمَ و يحيي بنَ زكريا ، و فاطمةُ سيدةُ نساءِ أهلِ الجنَّةِ ؛ إلّا ما كان مِن مريمَ بنتِ عِمرانَ)) هكذا كان النبيُّ ﷺ محبًّا لأهلِ بيتهِ لنسائهِ وأولادهِ وأحفادهِ بأبي هو وأُمي ﷺ .
وأَحسنُ مِنكَ لم ترَ قطُّ عيني ** وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
خلقتَ مبرأً مِنْ كلّ عيبٍ ** كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أهله
ثانيــــًا: أينَ نحنُ مِن أخلاقِ نبيِّنَا ﷺ مع أهلِهِ ؟
أيُّها السادة: لو نظرنَا إلى حالِ النبيِّ ﷺ مع أهلِه و حالِنَا مع أهلِنَا وإلى أخلاقهِ وأخلاقِنَا ومعاملتِهِ ومعاملتِنَا لبكينَا على أنفسِنَا بدلَ الدموعِ دمًا ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ ،تقولُ أمُّنَا عَائِشَةُ رضى اللهُ عنها وأرضاهَا الحصانُ الرزانُ الصديقيةُ بنتُ الصديق، لمّا سُألت ما كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ – تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ ” وفي رواية وكأنَّهُ لا يعرفُنَا، و قد قِيلَ لِعَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَمَا يَصْنَعُ أَحَدُكُمْ يَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيُرَقِّعُ ثَوْبَهُ ) رواه أحمد . وفي هذا الزمانِ بعضُ النساءِ تقولُ نحن لا نريدُ مِن الرجلِ أنْ يساعدَنَا في أمورِ البيتِ وتنظيفِه وترتيبهِ وما يحتاجُهُ، نحن نريدُ فقط الاحترامَ، والكلمةَ الطيبةَ، نريدُ الابتسامةَ في وجوهِنَا، بعضُ الأزواجِ ومع الأسفِ الشديدِ عندما يدخلُ بيتَهُ بدلًا مِن أنْ يسلِّمَ على زوجتِه، ويقولُ: “الله يساعدُكِ يا أمّ فلان على شغلِ البيتِ، الله يعطيكِ الصحةَ والعافيةَ”، بدلًا مِن أنْ يبتسمَ معها – يسبُّهَا ويشتمُهَا، وربَّمَا رفعَ يدَهُ عليها، أيُّ أخلاقٍ هذه أيُّها الناس؟
يا سادة بيتُ النبيِّ ﷺ حجرةٌ صغيرةٌ، لا تتجاوز مساحتُهَا خطواتٍ معدوداتٍ، وكان يمرُّ عليه الشهرُ والشهران ولا يُوقَدُ في بيتهِ نارٌ، فهل هناك ثمَّةَ جهدٍ تحتاجُ معه السيدةُ عائشةُ رضي اللهُ عنها إلى معونةِ النبيِّ ﷺ ؟ كلا وربّ الكعبة، وإنَّما أرادَ النبيُّ ﷺ مِن خلالِ مساعدتِهِ لأهلِ بيتهِ أنْ يوصِّلَ رسالةَ حُبٍّ إلى قلبِ زوجتِهِ، وأنْ ينبِّهَ الأزواجَ على امتدادِ العصورِ أنَّ مساعدةَ الزوجِ لزوجتِه في بيتِهَا تجعلُ البيوتَ سعيدةً، وعامرةً بالحبِّ والمودةِ والأُلفةِ.
يا سادة لمَّا سُألت أمُّنَا عَائِشَةُ رضى اللهُ عنها وأرضاهَا عن أخلاقِ النبيِّ ﷺ مع نسائِه؟ كيف كان النبيُّ ﷺ يتعاملُ مع أهلِ بيتِه؟ وماذا كان يصنعُ في بيتِه عندك؟ فأجابتْ رضي اللهُ عنها بوصفٍ دقيقٍ وجيزٍ بليغٍ: ((كان رسولُ اللهِ ﷺ ألينَ الناسِ وأكرمَ الناسِ، كان رجلًا مِن رجالِكُم إلّا أنّه كان ضحَّاكًا بسَّامًا(، تأملُوا معي كلماتِ السيدةِ عائشةً رضي اللهُ عنها، وهي تصفُ أخلاقَ النبيِّ ﷺ: (كان ألينَ الناسِ، وأكرمَ الناسِ، وكان ضحاكًا بسَّامًا))، أرأيتُم كيف وصفتْ السيدةُ عائشةُ رضي اللهُ عنها تعاملَهُ ﷺ مع نسائِهِ، كان ليِّنًا هَيِّنًا رحيمًا بأهلِهِ، وكان يمزحُ معهم ويضاحكهُم، ما أحوجنَا اليوم إلى هذه الأخلاقِ مع أهلِنَا في منازلِنَا!!!!لتنعمَ البيوتُ ولتسعدَ الأسرُ بدلَ المشاكلِ والخلافاتِ وكثرةِ حالاتِ الطلاقِ التي ملئتْ المجتمعاتِ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أهله
ثالثــــًا: إياكَ أنْ تفسدَ امرأةً على زوجِهَا ؟
أيُّها السادة: بعد انتشارِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعِي ومواقعِ الفتنِ أقولُهَا للهِ: بعضُ النساءِ إذا لم تسمعْ الكلمةَ الطيبةَ مِن زوجِهَا ستسمعُهَا مِن ذئبٍ بشرِيّ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعِي، وتقعُ الفأسُ في الرأسِ، ويقعُ الطلاقُ وخرابُ البيوتِ، فكم مِن بيوتٍ خربتْ بسببِ مواقعِ التواصلِ، وكم مِن بيوتٍ انقلبتْ الزوجةُ على زوجِهَا بسببِ مواقعِ التواصلِ، وكم مِن بيوتٍ وقع فيها الطلاقُ بسببِ مواقعِ التواصلِ، فحذَار حذَار مِن الفيس بوك وغيرِه فلم تعدْ للأخلاقِ مكانةٌ في الكثيرِ من البيوتِ إلّا ما رحمَ اللهُ فربَّما ترى رجلًا خبيثًا فاقدًا للأخلاقِ يفسدُ امرأةً على زوجِها وربَّمَا يصلُ الأمرُ لطلاقِها ليتزوجَها وهذا بسببِ فسادِ الأخلاقِ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، وصدقَ النبيُّ ﷺ إذ يقولُ كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : “ لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ“رواه أبو داود
فلذا حَثَّ الإِسْلَامُ عَلَى المُعَاشَرَةِ الحَسَنَةِ، وَأَنْ يَتَحَمَّلَ الرَّجُلُ اِعْوِجَاجَ الْمَرْأَةِ، كَمَا فِي الحَدِيثِ: الْمَرْأَةُ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ أَعْوَجَ، وَإِنَّكَ إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَهَا تَعِشْ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ“رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
والبيوتُ يا سادة لا تخلُو مِن المشاكلِ ولو خلتْ البيوتُ مِن المشاكلِ لخلا بيتُ النبوةِ ﷺ، لكن خلافاتٌ تذهبُ سريعًا ويبقَى الحبُّ والمودةُ والسكنُ والرحمةُ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ وَرِضَاكِ» قَالَتْ: قُلْتُ: وَكَيْفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ” إِنَّكِ إِذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ ” قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ، لَسْتُ أُهَاجِرُ إِلَّا اسْمَكَ)) اللهَ اللهَ هكذا كان بيتُ النبوةِ ﷺ.
ولا ننسَى هذا الموقفَ الذي اختبأتْ فيه أمُّنا عائشةُ رضي اللهُ عنها خلفَ ظهرِ النبيِّ ﷺ لمَّا أرادَ الصدِّيقُ أنْ يضربَهَا في موقفٍ مُعينٍ، فاحتمتْ بمَن؟ احتمتْ برسولِ اللهِ ﷺ.عندما جرَى بينَ النبيِّ ﷺ وبينَ عائشةَ كلامٌ, حتَّى أدخلا بينهما أبا بكرٍ رضي اللهُ عنه حكَمًا , واستشهدهُ فقال لها رسولُ اللهِ ﷺ : تُكلِّمين أو أتكلَّمُ ؟ فقالت : بل تكلَّمْ أنت ولا تقُلْ إلَّا حقًّا , فلطمَهَا أبو بكرٍ حتَّى دَمِيَ فوها , وقال : يا عَدِيَّةَ نفسِها أوَيقولُ غيرَ الحقِّ , فاستجارتْ برسولِ اللهِ ﷺ , وقعدَتْ خلفَ ظهرِه فقال له النَّبيُّ ﷺ : لم ندْعُك لهذا ولا أردنَا منك هذا)، اللهُ أكبرُ هكذا كان بيتُ البنوةِ ﷺ . فحافظُوا على بيوتِكُم وعلى استقرارِهَا وابتعدُوا عن الخلافاتِ والمشاكلِ لتسعدُوا في الدنيا والآخرةِ.
وكُن عَن هُمُومِكَ مُعْرِضًا ***وَدَع الأُمُورَ إِلَى القَضَا
وَانعَم بِطُولِ سَلَامَةٍ *** تُسْلِيكَ عَمَّا قَدْ مَضَى
فَلَرُبَّمَا اتَّسَعَ المَضِيقُ *** وَ لَرُبَّمَا ضَاقَ الفَضَا
اللهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ *** فَلَا تكنْ متعرِّضَا
أقول قولي هذا واستغفر اللهَ العظيمَ لي ولكم
تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أهله
الخطبة الثانية: الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلا له وبسم اللهِ ولا يستعانُ إلا به، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ … وبعد
أيُّها السادة :ذاتَ يومٍ كان سيدُنَا عمرُ بنُ الخطابِ رضي اللهُ عنه في بيتهِ مُستلقيًا على ظهرِه، وأولادُه يلعبونَ على بطنِه، وزارَهُ والٍ مِن ولاتِه، فرآهُ يلاعبُ أولادَهُ ويمازحُهُم، فتعجبَ مِمّا رأَى واستنكرَ أنْ يكونَ حالُ الرجلِ في أهلِه هكذا، فقالَ لهُ عمرُ رضي اللهُ عنه: وأنتَ كيفَ حالُكَ مع أهلِ بيتِك؟ فقال الوالِي: سكتَ الناطقُ، وجلسَ الواقفُ، ولا أسمعُ همسًا في البيتِ – أي: يهدأُ الجميعُ هيبةً وخوفًا مِن عقابِه – فظنَّ الوالِي أنَّهُ بتعاملِهِ هذا سينالُ كتابَ شكرٍ مِن سيدِنَا عمرَ رضي اللهُ عنه، أتدرونَ ماذا فعلَ سيدُنَا عمرُ رضي اللهُ عنه عندما سمعَ كلامَهُ؟ أمرَ سيدُنَا عمرُ رضي اللهُ عنه بعزلِهِ عن العملِ الذي وُلِّيَ عليه، وقال له: اعتزلْ؛ فإنَّك لا ترفقُ بأهلِكَ وولدِكَ، فكيف ترفقُ بأمةِ مُحمدٍ ﷺ ؟
فعلى المسلمِ أنْ يكونَ في تعاملِهِ مع زوجتِهِ وأولادِهِ كالطفلِ في الأنسِ والسهولةِ دونَ تحفظٍ، وإذا خرجَ للناسِ كان رجلًا وقورًا، وأكثرَ انضباطًا، هذه هي أخلاقُ إسلامِنَا الجميل.
فيا أخي الزوج، اتَّقِ اللهَ في ضعفِ زوجتِك، وأحْسِنْ عِشرتَهَا، ولا تُحمِّلهَا مِنَ العملِ بمَا هو فوقَ طاقتِهَا، وساعدهَا في أمورِ البيتِ، واجعلْ نُصبَ عينيكَ دائمًا وصيةَ نبيِّنَا العظيمِ ﷺ ، حين قال: «واستوصُوا بالنساءِ، فإنَّ المرأةَ خُلقتْ مِن ضلعٍ، وإنّ أعوجَ شيءٍ في الضلعِ أعلاه، إنْ ذهبتَ تُقيمَهُ كسرتَه، وإنْ تركتَهُ لم يزلْ أعوجَ، فاستوصوا بالنساءِ خيرًا))
واعلمُوا أيُّها الأخيارُ أنَّ مسؤوليةَ الأسرةِ كبيرةٌ وعظيمةٌ تقعُ على عاتقِ الأبوين، وأنَّ المحافظةَ على استقرارِهَا مِن أعظمِ الواجباتِ وكيفَ لا؟ والقيامُ بالواجباتِ الأسريةِ أمانةٌ سيسألُ عنها الزوجان يومَ القيامةِ بين يدى اللهِ جلّ وعلا، كما أخبرَ بذلك الصادقُ المصدوقُ ﷺ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ : ” أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ)) (متفق عليه) وفي صحيحِ مسلمٍ من حديثِ مَعْقِل بْن يَسَارٍ – رضى اللهُ عنه – قال: سمعتُ النبيَّ ﷺ يَقُولُ: “ مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)، فاللهَ اللهَ في التخلقِ بأخلاقِ النبيِّ ﷺ في التعاملِ مع أهلِ بيتِهِ، اللهَ اللهَ في إصلاحِ الأسرِ ،اللهَ اللهَ في المعاشرةِ بالمعروفِ، اللهَ اللهَ على السكنِ والمودةِ والرحمةِ بين الزوجين ،اللهَ اللهَ في الامتثالِ لأوامرِ اللهِ ورسولِهِ ﷺ ،اللهَ اللهَ في تنشئةِ النشءِ على كلامِ ربِّنَا وسنةِ نبيِّهِ ﷺ، اللهَ اللهَ في التربيةِ الصحيحةِ.
فالأسرةُ هي السكنُ والمودةُ والرحمةُ والألفةُ والمحبةُ والتعاونُ والاحترامُ ، والأسرةُ بصلاحِهَا يصلحُ المجتمعُ وبفسادِهَا يفسد المجتمعُ . حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف